الإنسان المقيد

Views: 3525

الإنسان المقيد

فيصل خالد الغريب 

المستشار وخبير الإتصال البشري 

@dr_faisalkhaled 

إن للتكنولوجيا الحسناء وجهاً آخر ، فالحرية و الانطلاق الذي تمنحك إياهما ، ليستى سوى طعوم صيد في سنارة عالقة في حنجرتك إن لم تكن تعلم ، انغماسك في معطيات التكنولوجيات تقيد حياتك الإنسانية وتمنحك قدراً أقل من الحرية التي تتعطش إليها الآن .

إنني استخدم تقنيات العمل عن بعد منذ أن لم تجد الإنترنت طريقها لمعظم الشركات و المؤسسات في مجتمعي حين إذ ، و كنت أول من اقتنى جهازاً محمولاً ذاتي الاتصال بالشبكة العالمية وذو شاشة تعمل باللمس مع قابلية الطي وعرفت حينها منفرداً في محيطي الاجتماعي ، حيث أصيب الكثير منهم بالذهول ، و أنا اليوم أدير أعمالي عبر شاشات المراقبة بينما أتنعم بالتخييم منفرداً على تلال الصحراء الذهبية أو فوق صخرة كلسية نحتتها عوامل التعرية أو قاطعاً بدراجتي الهوائية الاحترافية مئات الكيلومترات في البراري الخالية ، دون أن تقيدني تلك التقنية ، فأنا أعلم تماماً ما تعنيه الحرية كما أعرف ما يمكن للتكنولوجيا أن تصنعه في حياتنا .

كافة عقود أعمالي اليوم تحمل شرطاً محورياً لا يقوم الاتفاق إلا به ( كافة الأعمال يتم تنفيذها عن بعد و بشكل إلكتروني ) ، إلا أن واقع حال الكثير منا اليوم بظهر النقيض من ذلك ، فهو مكبل مقيد مهدور الوقت والطاقة والتركيز بل وحتى الوعي ، نتيجة لهاثه وراء التواصل مع التقنية لا مع البشر ، وفي سياق الانشغال لا الإنتاجية ، فهو مقيد مسلوب الإرادة والحس و العاطفة ، لا يخاطب إلا الآلة ولا يحسن الاتصال بالشر ، تلك الملكة الفطرية التي نزعت منه دون أن يشعر ، ولا يمكنه اليوم الاستغناء عن رفاهياته حتى وكأنه سمكة تسبح في بحار الذكاء الاصطناعي ، فإن تواجه مع إنسان آخر انعقد لسانه و انشلت أركانه وفقد القدرة على العيش ، كسمكة وجدت نفسها فجأة على اليابسة ، هذا إن لم يكن سمكة ضارية فيفترسه قبل أن يموت على الشاطئ .

قيدت التكنولوجيا حياة البعض ، فهم أسرى هواتفهم و أجهزتهم الذكية ، وقد سُلبت إنسانيتهم وتقيدت ، ليكونوا مومياءات تتجول قرب بعضها البعض ، إنهم مقيدون عن الاستمتاع بإنسانيتهم ، واستسلموا لرغبة آلة ، فماذا عنك أنت ؟ 

Comments: 1