الجفاف السلوكي و الانغلاق العقلي

Views: 2332

الجفاف السلوكي و الانغلاق العقلي 

 فيصل خالد الغريب 

المستشار وخبير الإتصال البشري 

@dr_faisalkhaled 

” ومن البلية عذل من لا يرعوي         عن غيه ، وخطاب من لا يفهم “

يمثّل الاختلاف الثقافي و البيئي و المعرفي ضغطاً على العاقل و العالِم في بيئات الجهل ، فالجاهل الشقي لا ينفك يناطح ابتغاء تفوقه و غلبته ، البغال و الجبال ، والعالِم يخشى إن جاراه أو جادله أن لا يفرق الناس بينهما ، فلذلك فإن العلماء و العقلاء هم أشقى الخلق في العالمين – بوجودهم بين الجهلة .

” ذو العقل يشقى في النعيـم بعقلـه         وأخو الجهالة في الشقـاوة ينعـم “

وتحمل البيئات الفقيرة معرفياً وقيمياً سمات عدة ، كالجدل و الاضطراب و الاستخفاف و قيل وقال وكثرة السؤال و إضاعة المال و الخوض فيما لا يعني ، و العصبية في حق وباطل و الاجتماع في وجه من خالف مسلكهم و إن تفرقت قلوبهم و عقولهم ، وهم لا يملون التكرار و الضحك لكل تافه و الميل لكل سخيف وتدنيس كل نظيف .

و أبرز سمات آحدهم الجفاف السلوكي ، و هو افتقار المرء لنماذج التصرف في السياقات المختلفة و تكرار الأفعال فيها على شكل تعميم شبه مطلق ، ومرد ذلك لغياب التجربة وغياب التراكيب المقارنة في عقله ، فيقع بذلك في أخطاء و توهمات إدراكية و فعلية ناشئة عن ضيق أفق و عوز معرفي ، و إن كان هذا المسلك لا يكاد يسلم منه أحد ، و قد يصدر عن أهل الدراية و الفهم في حالة الانغلاق العقلي المؤقت ، لأسباب عدة كالشرود و التوتر و الوهم ، فإنهم يأتون بمثل ذلك على غير نية مقصودة أو هدف واعٍ مرصود ، و الجاهل يرصده و يقصده و يكافح فيه و ينافح عنه على غير هدى ولا صراط مستقيم .

وعلى العاقل الصبر ، فإن أكثر الناس لا يعلمون ، و الأذى فيهم أغلب من النفع منهم ، وهم قدر الإنسان حيثما ارتحل في الأقطار و الأمصار ، إلا أن يعتزل في كهف في رأس جبل و لا أظنه يسلم من طارق يطرقه بليل أو نهار .

قال ﷺ ” كل بني آدم خطاء ، وخير الخطّائين التوابون” فيتوب العاقل و يأوب و أما الجاهل فيمضي شاهراً سيفه حتى يلقى حتفه ، و قال ﷺ ” المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ” و على العاقل أن يزن الأمور ما بين رفق و لين و شدة وحزم ، و أن يقصد بذلك مصلحتي الدنيا و الآخرة ، فإن تعارضتا قدم الآخرة و كفته .

فالاجتماع بالناس على تنوع مشاربهم ، يحمل في طياته أصنافاً من الأذى المقصود و غير المقصود مما جرى عليه عرف أو مضت به عادة و تخلق به أهل أرض على غير بيان من كتاب أو سنة أو علم تجريبي في فنون الحياة و علوم الإنسانية ، فيظهر العاقل أو العالِم نشازاً منبوذاً ملاماً مذموماً على كل حال ، حتى فيما صح عندهم ، فإن رضا الناس غاية لا تُدرك .

ولا يكون العاقل عاقلاً و لا العالم عالماً ، إلا إذا وقع بين أهل جهلٍ أو جهالة ، فيكون حين إذ في اختبار عقله و علمه ، فإن نفعاه و إلا كان هو و الجاهل وذا الجهالة سواءً بسواء ، فإن للعاقل خيارات سلوكية تفوق ما لدى الجاهل المحدود الأفق ضعيف الإدراك ، والذي قد تخذله قيمه و أخلاقه و مروءاته و شيمه ، فلا يبلغ بها مبلغ العقلاء الحكماء ، ويكون قد أوصد عقله و أغلقه .

Comments: 0