الفرص و المخاطر في الاستثمارات التجارية

Views: 1780

فيصل خالد الغريب 

المستشار وخبير الاتصال البشري

مستشار تطوير الأعمال الاستراتيجية

رئيس مجلس إدارة شركة اقتصاد المعرفة

@dr_faisalkhaled 

تشكل الفرص و المخاطر هاجساً للمستثمرين على مر العصور ، وهي ذات تأثير مباشر على اتخاذ القرار الاستثماري الأولي ولا شك ، إلا أنني هنا سأوضح تأثيرها الخفي على عموم المستثمرين ، انطلاقاً من النظم العقلية الحاكمة على القرار أياً كان .

ينقسم المستثمرون إلى قسمين رئيسيين في دوافعهم الاستثمارية و هما :

أولاً : المستثمر الاقترابي .

الثاني : المستثمر الابتعادي .

وبغض الطرف عن الخبرات والتجارب ، فإن قرارات كل منهما نابعة من منصة انطلاق مختلفة ، تجاه هدف واحد ، أي أن معطيات اتخاذ القرار مختلفة تماماً من حيث الجملة ، و إن سعت علوم الإدارة إلى توحيد تلك المنصة للطرفين المتناقضين .

ينظر الاقترابي إلى الفرص الماثلة أمامه ، ويبني خطته بناءً على معطياتها الظرفية ، لتحقيق هدفه الاستثماري ، بينما ينظر الابتعادي للمخاطر التي قد تأتي على استثماره ، وفي كلى الحالتين هناك توجه صائب و آخر خاطئ لدى الطرفين على حد سواء .

ويكمن دور ( الاستشاري ) في تحقيق الاتزان العقلي لكل منهما من حيث كشف الجوانب المعتمة ، في طريق خطة النجاح لكل منهما ، وعملياً فإن الممارسة المحضة للقرار الذاتي دون قياس اعتبارات أخرى ، يعد خطأً في آلية اتخاذ القرار ، التي ينبغي الأخذ في الأعبار فيها لدور العواقب و التأثيرات و الحلول الممكنة للمشكلات ، وهي ما تحد من الانحراف و الانجراف العقلي تجاه قرار منقوص غير متزن .

نظرية نصف الكوب 

يرى البعض بأن ( رأس المال جبان ) بينما يرى آخرون بأن ( الربح في عين المخاطرة ) والصواب هو الجمع بينهما ، وستجد بأن هناك شكلاً من أشكال النجاح لكل من طرفي وجهة النظر ، وفي حال تم الجمع علمياً و معيارياً بين وجهتي النظر ، فسيكون تحقيق الهدف من الاستثمار أكثر جدوى .

وهذا بالتحديد ما ندعوه بنظرية نصف الكوب ، فبينما ينظر البعض للنصف الممتلئ ، ينظر البعض الآخر للنصف الفارغ من الكوب ذاته ، في حين أن النتيجة ستكون واحدة في واقع الأمر .

إذاً علينا هنا التفكير في الحقيقية المنطقية و ليس فيما نتصوره ذاتياً عنها ، والمنطق يقودنا لدراسة كل حالة على حدة لتقييم الفرص و المخاطر و إيجاد الحلول ، وتحديد المستحيلات في الأمر بناءً على معايير ومؤشرات ، لا تصورات وانطباعات ، فالاستثمار يبنى بالدرجة الأولى على ( الحساب الرياضي ، وليس التقدير العاطفي ) .

الحروب و الكوارث 

هناك العديد من الفرص و المخاطر ، وأبرزها التوترات السياسية و الحروب التي يشعلها البشر فيما بينهم ، وتلك الكوارث التي لا يكون للبشر تدخل مباشر أو غير مباشر فيها كالأوبئة و الأعاصير و الجوائح الاقتصادية  العامة – ولعل الأمر أن يكون نسبياً هنا – وهذان العنصران يشكلات مفترق طرق لكل من الاقترابي و الابتعادي على حد سواء ، فالأول يقول : ( مصائب قوم عند قوم فوائد ) ، بينما يتمثل الآخر بـ ( السعيد من وعظ بغيره ) ، ودعني هنا أقرب لك الصورة :

  • يرى الاقترابي في الحروب ، فرصة للاستثمار في قطاع الاستشارات العسكرية و الاستراتيجة ، والصناعات الدفاعية و الخدمات اللوجستية و الأمن الداخلي مثلاً ، بينما يرى الابتعادي بأن الحرب هي نهاية المطاف ، وقد ينسحب من السوق أو قد يخسر لسبب أو لآخر انطلاقاً من تصوره للواقع أمامه .
  • يرى الاقترابي في الأوبئة فرصة للاستثمار في قطاع الصحة و النقل و الذكاء الاصطناعي ، وتطوير التكوين الثقافي للمنشئات العقارية مثلاً ، بينما يرى الابتعادي في هذا كسراً لا يمكن جبره .

هذا فقط للتقريب ، وإليك بعض الشخصيات التي حققت نجاحاً في الكوارث ، فهنري فورد ساعدت الحرب العالمية الثانية على إنعاش مصانعه حتى التخمة ، و إلين ماسك وجد في مشاريعه الفضائية المستحيلة فرصة  لزيادة ثروته و يقوم بشكل أسبوعي بإرسال أقمار صناعية خارج الغلاف الجوي فمالذي ترسله أنت ؟! ، أما جيف بيزوزس فقد تجاوز حاجز الـ 200 مليار دولار كأول شخص في التاريخ بسبب جائحة كورونا .

أما على المستوى المحلي ، فيمكنك مراجعة قصة نجاح تطبيقات كمرسول و هانجر ستيشن و كريم وسوق ، وقائمة طويلة من العلامات الناجحة ، هنا أنت بحاجة للأفكار أكثر منك إلى المال ، فالتمويل ينتظر المشاريع الذكية فقط ، أما المشاريع التقليدية ، فسيطويها النسيان ، ودعك عن الخسائر التي يتكبدها التقليديون يوماً بعد يوم في احتضار بيطئ .

فروق جوهرية 

  • الاقترابي قد يخسر في بعض مغامراته لكنه يحقق نجاحات ساحقة غالباً .
  • الابتعادي قد لا يخسر ظاهرياً و لكنه يبقى ضمن سقف محدود من الربحية و التأثير في جمود ثم ذوبان بطيء .

وفي أسوأ الأحوال، فإن الاقترابي قد يتهور فلا تقوم له قائمة ، ما لم يحصن نفسه، بينما الابتعادي قد يتقوقع على نفسه حتى يخرج من السوق بصمت .

وفي جميع الأحوال ، فإن التخطيط الاستراتيجي ، مهم لكلى النوعين من المستثمرين ، فالاقترابي بحاجة لدراسة المخاطر و الابتعادي بحاجة لإبصار الفرص ، و الخطة المحكمة تشرح طريقة الوصول إلى الهدف الاستثماري المنشود .

حسناً .. هل نستثمر في زمن الحروب و الكوارث ؟ 

الجواب بكل تأكيد نعم ، ولكن علينا أن نختار نمط المستثمر الصحيح في هذه الحالة ، ففئة الابتعاديين ليست الفئة الملائمة لسياق استثماري كهذا ، ما لم يقرر الابتعادي الحصول على تدريب خاص لتقييم الأمور داخلياً ( نفسياً ) و خارجياً ( استثمارياً ) ، فالابتعادي ملائم للاستثمار العقاري حيث لا مخاطر و لا جهد مهني يذكر ، بينما الاقترابي تم تصميمه لخوض جميع المعارك الاستثمارية ، إذا ما تم ضبط قراراته بمعطيات رقمية دقيقة ، فسيكون هو الأمثل لكافة أنواع الاسثتمار . 

كيف نتعامل مع الأزمات استثمارياً ؟

هذا هو السؤال الذكي هنا ، فعندما تقع كارثة ما فإن الفرصة ستكون سانحة لمشاريع تكتيكية أو استراتيجية ، فالتكتيكي سيتيح لك دخول سوق جديد لوقت محدود أو لمكان محدد ، بينما الاستراتيجي ، سيمنحك فرصة التأثير أو السيطرة على مشاريع أو مناطق محددة لأمد غير محدود نظرياً .

أزمة كورونا 

لقد تسببت أزمة كورونا في خسائر لبعض القطاعات ، بشكل دائم أو جزئي ، بينما فتحت الباب لبعض القطاعات بشكل دائم أو جزئي ، وعملياً انتقلت شرائح استهلاكية من مستثمرين إلى مستثمرين آخرين ، ما يعني و بكل بساطة أن الثروة لم تفنى ولكنها أنتقلت إلى أيادي جديدة ، و هذا ما حدث تماماً لجيف بيزوس كما أسلفت ، أما إريك يوان الماردير الصيني ، فقد كانت الأزمة فاتحة خير و هبة ربانية على تبيطق الاجتماعات المباشرة ZOOM الذي تزعم تطبيقات العالم لاحتضان اجتماعات رجال الأعمال و وقنوات التعليم و لقاء الأسر عبر الكوكب ، فلم لا تكون أنت اليد الجديدة التي ستحضى بفرصتها ؟! .

يمكنك اليوم عملياً شراء ممتلكات و أصول بأقل من سعهرها الأصلي قبل الأزمة ، و يمكنك زيادة حصصك بشراء أسهم في شركة تتعرض للخسارة المفاجأة بينما يمكنك إنقاذها بفكرة واحدة ، و يمكنك صناعة مكون استثماري جديد غير معهود قبل الأزمة ، و يمكنك اليوم إقناع من لم يكن مقتنعاً يوم الرخاء .

إن أعظم استثمار يمكنه النجاح في جميع و كافة الظروف بإذن الله ، هو الاستثمار في اقتصاد المعرفة ، حيث قبة الاستثمار التي تظلُّ العالم بأسره ، وهذا موضوع آخر تطرقت له في عدد من المحاضرات في العام 2007 م عندما كان المجتمع يغط في نوم عميق ، و كتبت فيه مقالاً مختصراً للفت النظر إليه في بعض الصحف – ويمكنك مراجعته في موقعي إن شئت – وهو النشاط الذي أمارسه تجارياً و بشكل فعلي و على الدوام و على مدار العام  ، وعليك ركوب هذه الموجة بدلاً من الغرق فيها .

Drfaisalkhaled@gmail.com