تعطيل العدالة
فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الاتصال البشري
@dr_faisalkhaled
هل تعلم بأن النار ستمتلئ ؟! .. يتجاهل البعض جانب العقاب ، فهل يمكنك تخيل العالم دون مبدأ العقاب ؟ ، بدأت فكرة سيئة في الدبيب داخل المجتمع ، وهي تلبس لبوس التسامح والعفو والتغاضي ، وهي قيم سامية في موضعها الصحيح ، ولكنها تستخدم كدرع حماية للمكابرين المتجبرين ، ممن لا يحملون في قلوبهم ولا أفعالهم الظاهرة ما يوحي بالأسف أو التراجع عن الأخطاء التي ارتكبوها مع الغير ، مع سبق إصرار و ترصد و مكابرة ، لا يمكن وصف الشفاعة لمثل أولئك إلا دعماً لهم على سوء سلوكهم وتمكيناً لهم في الأرض .
عندما تعاجل عقوبة شخص مجرم بالشفاعة ، قبيل ردعه بالقانون وتلبسه بالذنب نظاماً ، مع مكابرته ، فإننا لا ندري أين نضع قوله تعالى ” ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ” و قوله تعالى ” وجزاء سيئة ، سيئة مثلها ” وقوله عز وجل ” وإن عاقبتم فعاقبوا بنثل ما عوقبتم به “ و قوله ﷺ : ” لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت ، لقطعت يدها “ فمن المثير للعجب ، بأن هذا السلوك يتسرب بوضوح إلى العلاقات الاجتماعية ، ما قد يشير إلى وجود خلل في فهم مبدأ الثواب والعقاب و قيم كالعفو والإحسان للمسيء والدفع بالتي هي أحسن ، هل يا ترى لا يفهمون مقاصد التشريع أو يتجاهلونها لمصالح من نوع ما ، قد تتمثل في السعي للسلم المجتمعي من وجهة نظرهم القاصرة ؟! .. إن يدعون لصبر وعفو وتسامح يسمح للشر بالتمكن والتوسع !.
من الجيد العفو و الإحسان للمسيء المعتذر الأواب ، مع الاحتفاظ لأهل الفضل بشيء من التبجيل والتغاضي عن زلل غير مقصود ، أو تجاهل مخطئ لم يحسن في تجربته الأولى ، ليكون هذا كدرس عملي له ، إلا أن معاقبة أصحاب الحقوق استهتاراً بهم أو بأموالهم أو بجهودهم أو بمعاناتهم النفسية أو الاجتماعية ، فإن هذا عمل معيق للعدالة التي أوجدها الله نقلاً و عقلاً ، إذ لا يمكن لمن طالب بحقه أن يكون ظالماً لإصراره على تنفيذ العدالة ! .. وهذا ما يثير الاستغراب .
يمكن للمجتمع أن يكون معيقاً للعدالة بمجرد تجاهله لصاحب الحق ، والاكتفاء بالتفرج والمشاهدة العامة ، فهذا جزء من التعاون مع المسيء ، وإشارة له بأننا لن نعيق اعتداءك وندعم ظلمك ، ولن نأخذ على يدك ولن نقف في طريق اعتدائك ، وما عليك سوى الاستمرار في الإساءة ، وسنستمتع نحن بالمشاهدة !
يقول الله تعالى ” وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ” ويقول ﷺ ” انصر أخاك ظالماً أو نظلوماً ” والمراد بنصرة الظالم ، منعه من الظلم ! بينما واقع بعض الناس يضرب بكل ذلك عرض الحائط ، ويستبدل ذلك بشريعة مجتمعية بنيت على تجاهل المشكلة ، ما يقوي موقف المسيء .. إنهم يعيقون العدالة ويعطلونها ، وهذا خطأ فادح وجرم عظيم ! سيدمر تماسك المجتمع مع مرور الوقت ، فالعدالة ميزان استقرار للسلم المجتمعي و الأمن المشترك .
*سبق نشره