على سفح جبل في الكوكب
فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الإتصال البشري
مستشار تطوير الأعمال الاستراتيجية
رئيس مجلس إدارة شركة اقتصاد المعرفة
نحن في حركة دائمة ، فالكون في نمو وتمدد ، و كوكبنا يجري في الفضاء و يدور حول نفسه ، وعندما تتوقف لقراءة ماكتبته لك هنا ، فأنت فعلاً تتحرك في الكون بسرعة فائقة ، وعندما تنتهي من القراءة ستكون فعلياً في مكان آخر ، بعيداً عن ذلك المكان الذي قرأت فيه الحرف الأول هنا .
في عطلة نهاية الأسبوع يقضي المنجزون وقتهم في راحة من الأعمال و الاجتماعات و المكالمات ، ليقوموا بدور آخر في الحياة ، كالاسترخاء المساعد على التفكير الإبداعي و الابتكار ، و تطوير الذات بالتركيز على التعلم و صقل المهارات و معالجة العيوب الشخصية بعد تقييمها ، و العمل على بناء العضلات و تقوية الجسد ، و ممارسة الهوايات و الإنعزال عن الأعمال و صخب مفاوضاتها اليومية ، كما أنهم يقضون وقتهم مع أفراد الأسرة و تعويضهم عن الانشغال طيلة أيام العمل الأسبوعية .
من المهم أن ندرك بأن هذا أو ذاك سيحتاج إلى وقت و جدولة وتنظيم ، فالرحلات والزيارات و القراءة و التأليف و الاسترخاء في بركة أحد المنتجعات ، سيترتب عليها أن يكون المنجز في شغل شاغل عن متابعة الأعمال في غير وقتها ، فعندما أكون في خيمة المبيت في إحدى الصحاري ، أو متعلقاً على سفح جبل ما ، أو في مسير حثيث في طريق بري على ظهر دارجتي في وسط الظلام الدامس و أنا أجوب القفار ، أو عندما أكون منهمكاً في إشعال النار في كهف متجمد من شدة البرودة ، أو مستلقياً على شاطئ أراقب القمر في ليلة مقمرة ، فلن أكون في نموذج اتصال متوافق مع إدارة صفقة هنا أو حل مشكلة إدارية هناك أو عقد جلسة استشارية يمكن جدولتها ، فهذا أمر و ذاك أمر مختلف .
عندما تبدأ عطلة نهاية الأسبوع الوطنية ، وعندما ينتشر فريق العمل في الأرض بعيداً عن بيئة العمل ، فإن من الطبيعي أن نؤجل كافة الأعمال حتى بداية أسبوع جديد ، لنعود بنشاط و حيوية و إقبال جديد على تحديات العمل ، فهذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع أيام الأسبوع المقسمة عادة إلى خمسة أيام عمل و يومي إجازة عامة لغالب مواقع الإدارات في المجتمع الإنساني حول الأرض ، البشر يحتاجون إلى الابتعاد عن الأعمال لاستعادة طاقتهم الحيوية و الجسدية والنفسية و المهارية .
إن إغفال عطلة الأسبوع ، سيخفض معدل الإنتاج على المستوى المتوسط و البعيد ، وهذا لا يساعد على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمات و الأفراد على حد سواء ، وهذا ينجر على فترة ما بعد نهاية يوم العمل أيضاً ، فإيقاف إشعارات اتصالات الأعمال حينها لا يعد إهمالاً و لا تهرباً أو قلة تقدير أو عدم احترام ، و إنما مهنية عالية و إدراك و وعي بأهمية فترة الراحة الضروية لاستعادة القوة و النشاط ، وصاحبها يستحق الإشادة لمهنيته و التزامه و انضباطه و تقديره لقيمة الوقت و كيفيه استثماره ، استمتع بعطلتك ودع الآخرين يستمتعون بها أيضاً ، فهم ليسوا في المكان الذي تظنهم فيه ، إنهم في حركة دائمة و قد يكونون الآن في كوكب آخر أو متعلقين على سفح جبل .