الحروب النفسية والاجتماعية

Views: 1680

الحروب النفسية والاجتماعية

فيصل خالد الغريب

المستشار وخبير الإتصال البشري

@dr_faisalkhaled

يشن أعداء الأمة حروباً استراتيجية ضارية منذ زمن ، وهي حرب لا تكلف الكثير ولا تخلف قتلى بشكل مباشر ولا تريق قطرة دم واحدة من الجهة النظرية ، ولكنها تفعل ذلك بكل تأكيد  ، ولقد لاحظت عدداً من المندسين الذين يلقون بقذائفهم الاستراتيجية في تطبيقات التواصل الاجتماعي ، وعادة ما ينتهي الأمر باعتذار عن هذا الخطأ غير المتعمد أو ذاك ، في حين أن تلك القذيفة تبقى فعالة بكامل مكوناتها التفجيرية .

يشاطر أولئك المندسون جمعاً غفيراً من الغوغاء ودهماء الجهال من الناس ، ممن لا يقدرون مدى الضرر الاجتماعي و النفسي الناتج عن رسائل مسمومة كهذه ، تظهر على شكل نصوص أو حوارات أو مقالات أو مقاطع صوتية أو مرئية أو قصاصات صحفية من إعلام العدو ،ذلك العدو الذي يتراقص على جثث المسلمين ويحرق لحى الأئمة و الخطباء  العزل ويقتلع حناجرهم  وبقر بطون الحوامل و يغتصب النساء و الأطفال ، ويتفاخر التصفية الجسدية بناءً على الهوية و التمثيل بالجثث ، وهذه علامات حقد وضعف وقصور ذهني واعتقدي ، لي معها وقفة تحليلية تفصيلية في مقام آخر ، إن شاء الله .

تتميز القذائف النفسية و الاجتماعية بأنها جاذبة وملفتة وسريعة الانتشار ، فهي تأخذ الأشكال التالية :

1- الإشاعات ، وهي أكاذيب مختلقة ذات طابع مشوق في سياق محدد وفق ظرفية خاصة ، وهي تحدث هزة فورية و إرباكاً اجتماعياً سريعاً .

2- الأكاذيب المباشرة ، وهي تستهدف الطبقة الدنيا معرفياً ، إذ لا تميز ما بين الحقيقة و الخيال ، نتيجة الجهل وغياب الإدراك أو ضعفه .

3- الطرائف أو ما يعرف بالنكت ، وهي ذات تأثير خطير ، لكونها لا تلاقي معارضة بالغة من الوعي لما تحققه من متعة و لكونها لا تشكل خطراً واضحاً أو تهديداً ظاهراً ، فهي تغيب العقل وتلهب العاطفة ، و إن لم تصرعك من الضحك ، فليس أقل من تتركك مبتسماً ، نتيجة للبلاغة التصويرية الساخرة التي تحتويها .

4- المقاطع المفبركة و المجمعة و المركبة ، حيث تشد الانتباه ، وتدهش الأبصار وتثير الفضول ، ما يجعلها مقبولة عند السواد الأعظم ، وهي تثير استياء القليلين في العادة ، ما لم توجه لها الأنظار .

5- المقاطع الصوتية ، وهي ذات تأثير ذهني عميق ، حيث تفتح بوابة الخيال البصري على مصراعيها ، لغياب الصورة ، وترك الأحداث المترتبة على النص السمعي ليتولاها الخيال المجنح للمتلقي .

6- قصاصات صحافة العدو ،وخطورتها في عناوينها لا في مضامينها ، فالعنوان غالباً ما يلخص الرسالة ويحقق الهدف الحقيقي من الغاية المستترة أو المعلنة لنص المقال أو الموضوع أو التخطية ، فقراءة العوان كفيلة باستقبال القذيفة الذهنية من قبل المتلقي .

ما يمز الحروب النفسية والاجتماعية مايلي :

1- سهولة تصنيعها ، فمع أن الأمر لا يخلو من تعقيد علمي في البنية الواعية للقذيفة النفسية ، إلا أنه يمكن للظرفاء و الممارسين صناعتها بشكل عشوائي .

2-الوصول إلى الهدف دون عوائق تذكر ، فالخصائص السابقة ، يصعب التخلص منها ، لأنها تستهدف اللاوعي بالدرجة الأولى .

3- عدم وضوح مصدرها ، بل وحتى العجز عن تتبعه غالباً ، ما لم يتم الولوج إلى المصفوفة التي انطلق منها ، و هنا أحيلك للضرورة لمراجعة مقالي المطول (المصفوفة ) ، حيث يمكن تتبع البصمة الإلكترونية للمصدر الأول ، وهذا يكون على يد مختصين ، بينما يبقى الأثر المجتمعي لهذه القذيفة ضاراً و فعالاً إلى حد كبير .

4- يتم ترويج هذه القذائف عبر مندسين ، أو مخترقين لأنظمة المصفوفات في إطارها الإلكتروبشري ، وغالباً ما يكون النشر عشوائياً ضمن دهماء الغوغاء من العوام و الجهال و القاصرين ، فتتعقد الشبكة ، إن التحليل الاتصالي الفني يمكنه أن يفرز المندس من الإمعة من الناس .

5- عادة ما يسهل التملص منها بالاعتذار عن الخطأ في إرسالها بأي عذر كان ، وهذا مسلك يسلكه المندسون – غالباً – في المجتمع المستهدف عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي ، التي سهلت عملية اختراق المجتمعات من الداخل ، دون الحاجة للمباشرة الحسية له .

6- تتوفر في تطبيقات التواصل الاجتماعي و المنصات الإعلامية عوامل التستر و توفر هذه البيئة الملائمة للداعمين و الراعين لعمليات الهجوم النفسي و الاجتماعي من مندسين يقومون بأدوار لوجستية إلكتروبشرية .

هذه الميزات وتلك الخصائص ، تسهل عمل المبادرين والمندسين والمتسترين والداعمين ، لتحقيق الأثر في المجتمعات المستهدفة ، وحيث أن هذه القذائف متى انفجرت فإن أثرها لا يتوقف عادة ، إلا أن الوقاية خير من العلاج ، فالوقاية منها تكون بالتالي :

1- زيادة الوعي الفكري ورفع مستوى الشفافية ،  ما بين الحكومات و الشعوب المستهدفة ، فيما لا يضر بالأمن القومي و المصالح الاستراتيجية .

2- رصد الشائعات على مستوى البناء الذهني و قبل إطلاقها ، عبر متابعة التوجة الإعلامي للعدو عبر وسائط الإعلام الجديد .

3- تشكيل خطوط وقاية تحليلية من الخبراء العلميين ، و تمكين العلم من أخذ دوره في الوقاية أثناء الحروب و التوترات السياسية ، و تقييم و تقويم المواقف للأنشطة الإعلامية السياسية بالدرجة الأولى .

4- رصد الممارسات المشبوهة عبر التعاون المجتمعي الأمني ، وفق معايير يتم بثها في المجتمع ، لتحقيق الوقاية الذاتية .

5- إيقاع العقوبة الشرعية بالمدانين في تورطهم في حروب نفسية و اجتماعية تضر بأمن و استقرار البلاد و تخلخل توازن الأمة .

6- تحقيق الانسجام فيزالاستراتيجيات النشتركة للبلدان المجاورة لحماية الأمن المشترك ، فالحروب التفسية الاجتماعية ، عادة ما يتم توجيهها تجاه بلد منفرد لتسهيل عملية التفكيك للكيانات المتعاونة أو المنسجمة او المندمجة .

ولكي نلخص الأمر ، فإن هدف هذه الحروب ، هو خفض المعنويات و إضعافها ، ليكون الإضرار ذاتياً  داخلياً ، فيسهل الانقضاض من الخارج ، فهي حرب قاتلة بكل ما تحويه الكلمة من معنى .

Comments: 0