بعيداً عن العلم

Views: 1917

بعيداً عن العلم

فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الإتصال البشري

@dr_faisalkhaled

عندما أقوم بعمل أمر ما فإنني في العادة أنطلق من مبدأ أو مفهوم أو قاعدة علمية ، كممارسة منطقية إنسانية معقولة و بديهية ، ولم يكن يدور بخلدي بأن أحداً يقوم بشيء دون علم – لا أقصد الأخطاء بل الممارسات الاعتيادية – و لكن السنين كانت كفيلة لتكشف لي بأن الأمر بخلاف ما يمكنك تخيله من احترافية الأداء العلمي في كل شيء .

لست أعني أن يكون الناس علماء ، إذ إن من البديهي أن يمارس الإنسان الشيء عبر معرفة أولية تحدد معالم ما يقوم به ، بيد أن واقع الحال اليوم بخلاف ما كان و ما ينبغي أن يكون ، فحيثما نظرت من حولك فستجد صداماً مع حتميات أو مبادئ علمية في كثير من شؤون الحياة ، كالتربية و التعليم و هندسة المدن و إدارة الأعمال و الاقتصاد و الصحافة و الإعلام و القائمة تطول فيما لا يحسن ذكره ! ، و كأن هناك اتفاقاً ضمنياً على مخالفة المنطق و التصدي للعلم و محاصرته ومحاربته في حياتنا ، ليكون الجانب المعرفي في الحياة ، خبط عشواء في طبيعة فوضى غير خلاقة ، تفكك مكونات الحياة و تعزلها عن بعضها البعض .

نظرة نحو الواقع تكشف لك كم أن العلم عزيز وعملة صعبة في عصر الثورة المعرفية و اقتصاد المعرفة في العالم ، شيء يصدم العقول لما تستثمر فيه الإمكانيات لتنتج وهماً أو جل وهم أو بعض وهم ، لبناء مظاهر ورقية هزيلة ومظاهر زائفة ، الأمر كمثل من سخر موارده كاملة لطحن جبل ليصنع له طبقاً صغيراً يضع فيه طعامه ليستمتع بمشهد النظر إليه ، و قد كان يكفيه حفنة من طين الوادي قرب ذلك الجبل الجرانتي الضخم !.

نعيش عالماً متضخماً يكبر فيه كل شيء خارج إطار النسبية ، فعندنا يتضخم كل شيء من حولنا و نبقى أقزاماً في مزيد تصاغر أمام مبالغات و مجازفات و استعراضات لا تسمن ولا تغني من جوع .. و النتائج كارثية لمن كان له بصر وبصيرة ، كل هذا التعقيد لتهميش العلم و جعله مجرد تحف يتم صقلها و تعلميعها و إبرازها في المحافل لغرض الفرجة و الاستعراض ، و قليل من حمل علماً .

لا شك في أنك لو وضعت العلم في سياقه التطبيقي في حياتك ، فإنك سترى العالم بشكل مختلف عم تراه الآن ، و لو أعطيت القوس باريها ، لتحققت نتائج لا نزال نعدها اليوم من الأحلام وبأيسر الطرق ، فالعلم يهدف إلى تقليص المسافات و تقليل الهدر و إزالة العوائق و التوجه المباشر نحو الهدف ، و هذا ما يصعب عليك إيجاده اليوم .. فياللعجب .

ففي الوقت الذي تدرك فيه الصواب ، فإنك لن تخرج عن دائرة الخطأ هنا أو هناك ، فمعرفة القانون مثلاً لا تعني أنه من سيطبقه عارف به ، هذه الحلقة المفقودة ، يمكنها أن تقذف بأناس كثر إلى الهواية و أنت منهم ، و عليه فإن عليك أن تتأكد وتسأل دائماً ، عن قدرك من تتعامل معهم على معرفة معايير ومقاييس ما يقمون به ، و إلا أخرجوا لك من فرن الخبز عجلة إطار محروقة .. وسيلزمونك بمضغها ! ، كثيرون هم من يقومون بالشيء دون علم و لا معرفة و لا دراية .. وستكون فأر تجارب إن صدقت أقوالهم و لم تنتبه لأفعالهم .

Comments: 0