إنه قوة لك
د. فيصل خالد الغريب
المستشار وخبير الإتصال البشري
@dr_faisalkhaled
1439/11/21
هناك من يُكسبك قوة إلا قوتك فضلاً عن إخوتك و أصدقائق و أسرتك ، إنه جارك الذي يفصل بينك بينه أربعون سانتيمتراً فقط طوال اليوم ، إنه ذلك الشخص الذي ربما تتحاشى النظر إلى وجهه أو تتعمد عدم مصافحته في المسجد لتفر من وجهه بسرعة إلى منزلك الخرساني عالي الأسوار ، إنه ذلك الشخص الذي تسعى جاهداً للتملص من دعواته لك لدخول مجلسه ، إنه ذلك الشخص الذي تتحاشى تهنئته بالعيد ما لم تكن مضطراً لذلك عندما تتقابلان وجهاً لوجه عند أبواب سيارتيكما .
لم يكن الحال هكذا منذ عدة عقود من كتابة هذه الأسطر ، كما أن هناك بقية باقية من الناس يتمسكون بجيرانهم أكثر من إخوتهم ، أدرك بأن تغير هندسة بناء المساكن و تضخم المنازل في زمننا أثر على اتصالنا بجيراننا ، و بأن اللهاث خلف الدنيا والعيش الرغيد أثر على أوقاتنا ، ولقد تطورت الأمور إلى الاقتتال المجتمعي على المال و الأعمال في صور شتى جعل من الحياة أكثر وحشية في إطار العلاقات الاجتماعية ، إلا أن رسول ﷺ قال و هو على علم بأنه خاتم الأنبياء و المرسلين و لا نبي بعده و هو ﷺ مدرك بأنه بُعث موازياً للساعة – نهاية العالم – قال : ( مازال جِبْرِيل يوصيني بالجار ، حتى ظننت بأنه سيورّثه ) .
افتقار مجتمعاتنا المعاصرة للعديد من القيم و الأخلاق ، لا يعني بأننا معفيين من حقوق الجار ، و إن أبسط ما يمكن تقديمه للجار هو كف الأذى عنه ، و لكنني ألفت نظرك إلى شيء من أهمية الجار و موقعه منك ، إنه الشخص الوحيد القادر على تقديم مساعدة فورية لك – فكر في هذا – إنه الشخص الأقرب لمعرفة أسرار وضعك الاجتماعي و الأُسَري ، إنه الشخص الذي يمكنه معرفة أوقات حضورك و انصرافك و ما إذا كنت بخير أم لا ، ولربما كان الشخص الوحيد الذي تصله أحاديثك وحواراتك بل وحتى خطواتك وتحركاتك التي تنتقل اهتزازاتها عبر الحائط أو النوافذ ، هذا في حال لم يكن بينكما أي اتصال مباشر ، فكيف لو كان على صلة وثيقة بك .
أياً تكن مهاراتك في التواصل الاجتماعي ، و أياً كانت توجساتك وشكوكك و وساوسك تجاه الآخرين ، فلا أقل من اتباع هديه ﷺ إذ يقول : ( تهاهدوا تحابوا ) فكيس صغير من فاكهة ، أو طبقاً من طعام طهوك المنزلي ، أو حتى زجاجة عصير أو إبريق شاي ، سيفي بغرض أن تحصل على سند وعون لك على مدار الساعة ومحب دائم ، وستحظى بمزيد عناية وتتقدير عندما تهديه قارورة عطر يتذكرك بها مع كل نفس .
الأمر بسيط للغاية يمكنك الحصول جيش صغير من المحبين و الأعوان حول مسكنك ، فحسن التعامل سيصنع لك إخوة لم تلدهم لك أمك ، و كل ما في الأمر هو أن تخلص هذا كعيادة لله تعالى ، وسترى من جيرانك العجائب إن شاء الله ، فهو من أمرك بذلك ، ولم يأمرك إلا بخير ، اعتني بجارك أياً كان دينه أو مذهبه .