المصفوفة 

Views: 1414

المصفوفة

فيصل خالد الغريب

المستشار وخبير الإتصال البشري

@dr_faisalkhaled

في خضم التطور الحضاري و التقنيات الحديثة والنمو البشري الهائل ، لا يدرك الناس خطراً داهماً يتسلل إلى حياتهم ومجتمعاتهم بشكل سلس دون أدنى مقاومة ذهنية ، حيث يتم اختراق العقول بكل بساطة .

يتم في الواقع تحويل البشر إلى أرقام ( واحد ) و ( صفر ) وفق مبدأ التنظيم المجتمعي و الأتمتة ، في سياق تسهيل وتسريع الحياة ، وهذه تصورات جاذبة لكل أحد ، ما لم تكن له بصيرة ثاقبة في عواقب وتأثيرات الأمور .

المصفوفات هي تشريع سيحكم البشرية ويسيطر عليها لفترة من الزمن عبر العالم كله بشكل تدرجي وهادئ ، حيث ستقود الآلة – الذكاء الاصطناعي –  البشر ، وأنا هنا لا أتحدث عن فيلم سنمائي أو رواية من الخيال العلمي ، وهذا أمر تحدثت عنه فعلاً في عام 2003 تقريباً ، وكان خارج سياق تصورات المجتمع ، فالفكرة لم تكن واردة على بال أحد في ذلك الوقت – لم يكن الناس يستوعبون التطور التقني المستقبلي الهائل –  وأعني بالمصفوفة أنظمة إلكترونية تتحكم في تصنيف الناس وتحديد ما لهم وما عليهم و ما ينبغي اتخاذه معهم وبهم من إجراءات غالباً ما تتعلق بالعقوبات أكثر منها تعلقاً بالتسهيلات وهو أمر نسبي يختلف من بلد إلى آخر ، وسيكون الطابع الأمني والضرائبي هو السائد في بناء قيم تلك المنظومات الإلكترونية المجتمعية ، خاصة مع تبني فلسفة رأس مالية .

إنني من عشاق التقنية ، وتصنيفي العلمي الحقيقي هو أنني سايبورغ منخفض التقنية – شأني شأن كثير من الناس وهذا يحتاج إلى شرح –  وقد تحدثت عن هذا في إحدى القنوات –  ولقد كتبت رواية تنبؤية سبق نشرها في ذلك الزمن ، ظنها البعض بأنها سيناريو فلم كرتوني ، هكذا تجري الأمور عندما تسبق الزمن .

عندما يتم ضمك قسراً للمصفوفة ، فسيتم احتساب أنفساك ونبضات قلبك وعدد خطواتك ، ستكون رقماً يتحرك عبر شاشة مراقبة ترصدك على مدار الدقيقة والثانية طوال العام دون إجازات ، ستتولى حواسيب ذكية هذا الرصد ، وستخلوا المنظمومة من قيم الإنسانية ، وسيكون الأمر ضمن طرفي الخطأ والصواب .

هاتفك الذكي سيقودك إلى المصفوفة ، و إدارات المجتمعات البشرية ستضطر لبناء مصفوفات مصغرة ، يتم ربطها بالمصفوفة العالمية التي ستخزن بياناتك في خوادم ذكية تتم دراستها آنياً عبر منظومات فرز بالغة الذكاء والتعقيد ، ستكون حياتك سلعة للشركات عابرة القارات و أجهزة الاستخبارات و النظم الأمنية ، سيتم بيعك وشراؤك عبر المصفوفات الصغرى دون أن تشعر – وهو ما يجري الآن فعلياً – وستكون رقماً لا إنساناً ، إلا أنك ستكون مصدر دخل لآخرين .

في دين الله تعالى وشريعته السمحة العادلة ، هناك منطقة رمادية يمكنك التحرك فيها ما بين الثواب والعقاب ، تعتمد النية كمصدر للحكم عليك و تتنوع بين الواجب والمحرم والمكروه والمندوب والمباح ، أما في شريعة المصفوفات القانونية الوضعية فسيكون لك خيارين اثنين ، صواب لن تكافئ عليه سوى بالسلامة من العقاب ، أو خطأ تعاقب عليه بشكل فوري ، هذا الأمر صممه بشر وقد يخرج هذا عن سيطرة البشر يوماً ما – ولهذا تفصيل أعرضه في مقام آخر – ستلاحظ هذا في كافة شؤون حياتك اليومية ، في وظيفتك وتجارتك وقيادتك لمركتبتك حتى في الصحراء أو قاربك في وسط المحيط .

المصفوفات اختراع رائع لتسهيل الحياة وضبطها وربط مكوناتها بنظام واحد حول العالم ، ولكنه يستخدم استخداماً سيئاً بتوازٍ مع ما ذكرت  ، وهي سلاح ذو حدين ، إلا أن الغالب في استخدامها وفق منظور الواقع الملموس يقود لعاقبة وخيمة يسهل التنبؤ بها ، الأمر ذو شقين مصفوفة مجتمعك و مصفوفة البشرية العالمية ، وهناك فروق سأذكر شيئاً منها :

على المستوى الشخصي :

  • تهتم المصفوفة المجتمعية بسجلك الأمني ، وهذا ماتهتم به مصفوفة العالمية أيضاً .
  • تهتم المصفوفة المجتمعية بدخلك ووضعك المادي لأغراض ضريبية ، بينما  العالمية تهتم لأغراض تجارية تسويقية .
  • تهتم المصفوفة المجتمعية بتصنيفك الفكري لمقارنته مع توجه الرسمي لمصفوفتك التي تنتمي إليها ، و تهتم المصفوفة العالمية بقياس توجهك لتقييم الخطط الاستراتيجية لقيادة العالم وفق الأنظمة الأممية العالمية ، أمر لن تشعر به بشكل مباشر .
  • تهتم المصفوفة المجتمعية بقنوات الخدمات الرسمية المقدمة إليك فيها ، لرفع الكفاءة أو لتقييدك لأي سبب نظامي أو قانون بضغطة زر ، تلج المصفوفة العالمية إلى هذه الأنظمة لأمور استخباراتية لا تتعلق بشخصك بل بمجتمعك برمته ، أي بدولتك ونظام إدارتها الذاتي لأسباب استراتيجية .

على المستوى العالمي :

  • المصفوفات الاجتماعية تقدم خدمات مجانية للمصفوفة العالمية ، ما يقلص دور الاستخبارات التقليدية في أنظمة التجسس الدولية ، التي تستثمرها وتبيعها بمقابل مادي مجزٍ للغاية .
  • المصفوفات الاجتماعية هي بدورها ضحية للمصفوفة العالمية وتدور في فلكها .
  • المصفوفات الاجتماعية تساهم في تحقيق أهداف خارجة عن خططها الذاتية وتوفر موارد لأطراف أخرى .
  • المصفوفات تشدد القبضة الحديدية على البشر ، ولكنها تجعل العالم أكثر هشاشة و أقل مقاومة للتدمير ، على عكس ما قد يتصوره البعض .

هذا كان عرضاً تبسيطياً ، وجملة الأمر أنك تحت الرصد إيجاباً وسلباً ، مع إمكانية اختراق هذه المصفوفات من قبل أي طرف ثالث يمتلك مفاتيح الدخول أو التسلل ، ومع هذا وذاك فإن حياتك  ستفقد الخصوصية ، وسيتم التنبؤ بنواياك ومقاصدك و محاسبتك عليها في المستقبل ، تجدر الإشارة إلى أن بعض علماء الجينات الوراثية يشير إلى ضرورة معاقبة الأطفال الذين يمتلكون سمات شخصية إجرامية جينية قبل أن يمارسوا هذا الدور واقعياً في الحياة المجتمعية وهناك من يرى التخلص منهم ابتداءاً ، ليست هذه نكتة جديدة أسوقها إليك في هذا العرض الاستشرافي المختصر ، ولكنه أمر يمكنك التحقق من صحته عبر البحث والتقصي المعرفي ، وتجدر الإشارة إلى أن المصفوفات الإلكترونية تنفذ هذه الرؤية عبر دراستك وتحليلك وتصنيفك بشكل فوري و آني ضمن المصفوفة .

وستجمع المعلومات حولك ضمن سياقات عدة هي : 

1- السياق المالي و المهني الوظيفي .

2- السياق المعرفي التعليمي و التوجه الفكري .

3- السياق الاجتماعي و العلاقات الإنسانية .

4- السياق الأسري و التربوي .

5- السياق الشخصي والمهاري  .

6- السياق الصحي و الجسدي .

7- السياق الروحي الديني على مستوى القيم والمعتقدات والأخلاق .

المصفوفة البشرية العالمية هي عالم افتراضي للبشر ، يستعين بالتقنية المرتبطة بالأفراد أو المدرجة ضمن أجسادهم ، والاستفادة منها سيقود لنهضة البشرية جمعاء وتفوقها وسينعكس على رفاهية البشر ، ولكن هذا لن يتحقق لأسباب سأذكرها في وقت لاحق ،  لن تطلب الحكومات من الشعوب الدخول ضمن مصفوفات بشكل مباشر الأمر يتم عبر الخدمات الإلكترونية التي يقدمها القطاعين العام والخاص محلياً وعالمياً ، و إن لم يقدك الفضول أو الخمول إلى الدخول عبر مصفوفة ما ، فإن الضرورة الحياتية ستدفع بك قسراً إلى منظومة الخدمات الحكومية في ظاهرة تجتاح العالم برمته بما فيها الدول الفقيرة والنامية ، وعندما ترفض عن قناعة الدخول إلى المصفوفة ، ستكون قد حكمت على نفسك بالنفي من المجتمع ! .

تكمن خطورة المصفوفة في دورها الغائي الاستراتيجي في أنها محاولة للقيام بأعمال الرب ، بصورة آلية طوعية أو إلزامية من قبل أفراد أو منظمات ، أمر يشبه مضاهاة مالك الملك سبحانه على الأرض ، في التشريعات والأحكام الجزئية والعامة وفقاً لأنظمة كل مصفوفة مجتمعية على حدة ، إلا أن ما سيغفره لك الرب سبحانه لن تغفره لك المصفوفة ، ومع أن المصفوفة البشرية لا يقودها شخص بعينه ، إلا أنها تخضع لسياسات عامة تسيطر عليها كبريات أنظمة المصفوفات في العالم و هي على عدد الأصابع ، فشركة جوجل – مثلاً –  هي واحدة من تلك الشركات بمجموعتها الخدمية الكاملة ،  وتطبيقات التواصل الاجتماعي هي مصفوفات طوعية تنضم أنت إليها برغبتك الشخصية و سُحب التخزين الإلكترونية تجمع محتوى أجهزتك الذكية ، وحساباتك المصرفية والرسمية هي مصفوفات مرتبطة بالمصفوفة الأم ( العالمية ) ، ولذلك فإن حروب المستقبل المنظور – وهي واقع حي الآن –  هي حروب إلكترونية تستهدف البنى التحتية والحسابات المصرفية و التجارية ومنظومات الملاحة و الدفاع و الطاقة و الصحة و الأمن القومي للدول ، والسبب يكمن في ارتباطها بالشبكة العالمية بطبقاتها الثلاث ، السطحية و العميقة و المظلمة ! .. وتذكر بأن هذا ليس أمراً عبثياً أو مجرد صدفة .

Comments: 0